الخيانة

كل ليلة أحاول النوم ، أقول احاول لان لا نوم ومدينتي لا تنام ، ولا اقول لاتنام خوفا وعجزا بل خذلانا بما فعل بها الأعراب والأغراب . أحاول أن أنام لعلي أصحو من أسوأ كابوس قد يراود إنسان أو حتى حيوان او أي شيء يمكن له الحلم . وأقول كابوس لانني اتمنى والله ان لا يكون كل ما مررنا به داخل او خارج غزة الا كابوسا ويمكن لنا أن نستعيذ الله ، ونرى الوجود بعده كما تركناه مكللا بالزهو والحياة .
أحاول أن لا أتفحص هاتفي فهو الذي ينقل آخر أنفاس المدفونون والمتركون تحت الأنقاض وهو من ينفي كل أمل بأنني كنت في كابوس
أي حياة لنا أن نعيش بعد كل دقيقة موت شهدنها في كل عين تعيش وعاشت في غزة ، واقول عاشت لان ما بين كل مئتي شخص في غزة قد قتل واحد ، قتل واحد كان يمكن ان يكون عالما ، طبيبا ، باحثا … ومحبا ، محبا للحياة كما هو حال كل فلسطيني . يبدو ان حقيقة الحياة هي الاخرى كذبة حاولنا ان نصدقها ، فها نحن المغتربون نحاول الحياة ولكننا نموت موتتين الاول اننا كان يمكن ان نكون هناك ، وموتة الخيانة التي نشعرها بكل نفس نتنفسه وكل اهلنا كلهم واقول كلهم لان كل اهل غزة اهلنا ينتظرون الموت

Posted in allover | Leave a comment

وقد مضى عام

عام على عودتي إلى التخصص وممارستي مهنة العمارة ، خلال هذا العام اكتشفت نفسي أكثر وتمكنت من تعلم الكثير من المهارات أولها الصبر على التعلم ، و السعي الدؤوب لاكتساب المزيد.

في البداية كنت خائفة ومازلت خائفة، وهذه ميزة جيدة لأنها تشجعني دوما على مراجعة كل ما أقوم به. إن هذه المشاعر نعمة تعطينا الدافع للتحسين المستمر. وما أقصده هنا ليس الخوف من الوقوع في الخطأ ولكن الخوف من أن أخيب ظني بنفسي. وهذا يحتاج إلى طاقة كبير وبيئة صحية للعمل. لذلك عزيزي القارئ اذا كنت في بيئة عمل وتخاف من ارتكاب الأخطاء أو من رد فعل مديرك ربما عليك أن تفكر أكثر في المكان الذي أنت فيه .

أعلم تمام أن الحياة ليست وردية ، وأنه من النادر العمل في بيئة داعمة ، لكن الإيمان والسعي لتحقيقه لابد أن يؤول بالنجاح يوما، المهم بعد كل مرة ننتكس بها ننهض من جديد ونضع نصب أعيننا أهداف بعيدة المنال وصعبة التحقيق ، نكتبها وهذا يجعل الطريق الوعر يمهد يوما بعد يوم .

كل يوم أتيقن أنني لم أؤتى من العلم إلا قطرة من فيض كبير، والتقدم بالسن ليس مجرد إلا قدرة جديدة لإدراك أهمية مواكبة الجديد من كل النواحي، لا أستطيع أن أنكر أنه في بداية العمل أصبت مرات عديدة بلحظات من الإحباط .وهذا لاني توقعت من نفسي أكثر من اللازم ، يوم عن يوم تعلمت أكثر حتى تمكنت من تحقيق إنجاز فخورة به جدا.

خلال عشرة أعوام مضت كنت أبحث عن المسار الوظيفي الذي أريد أن ارتأيه واكتشفت أننا نستطيع أن نخلق في كل مجال طاقة لكل ما نحب، هذا ما كنت افعله دون ادراك مني، والآن انا متبصرة وأسعى لما اريد.

ما نريد شيء والسعي إليه شيء مختلف تمام، أما الأول فهو الرغبة التي تبقى ساكنة الا بالحد والاجتهاد للصمت في مسار السعي. وهو ما يحتاج إلى عزيمة وإرادة قوية جدا وخاصة اذا كنت أم ، و امرأة من مجتمع شرقي بالأصل .

بعد عام استطعت أن أتبع القاعدة إذا استطعت أن أفعل شيئا ما، فهذا يعني أنني أستطيع أن أفعل أي شيء آخر.. وبدأت أهدافي المعنوية تتمحور حول ما أريده أنا كإنسان بخلاف جنسي الجندري وبخلاف أي شيء آخر .. ومارس لهذا العمل بدأت هدفا جديدا يرتبط بالصحة البدنية .. وانا على يقين بأن العام القادم ساكتب عن كل جديد تعلمته من خلال هذه العادة الجديدة .

يتبع

Posted in allover | Leave a comment

غزة حقيقة أكبر منا

لا تأكلنا الغربة بقدر ما يقعدنا العجز ، العجز عن سرقة كل الأطفال من تحت سماء لم تبقي لطفولتهم أي متسع لعيشها، يوجعنا العجز الذي يمنعنا من احتضان كل من في غزة لأخذ عنهم وجعا ، ولو كان واحدا . يشلنا العجز الذي يقف حائلا أمام أي إنسان عاقل يدرك ماذا حدث.
نحن مصابين بعجز البعد والفقد، ليس أباؤنا ، أمهاتنا وإخوتنا في غزة . في غزة كل الحيوات التي عشنا ولم نعش فيها . الكلمات التي تتلعثم في أفواهنا عندما نسأل كيف أنتم ، وكيف أهاليكم ؟
نحن لسنا نحن إطلاقا، ولن نكون كذلك لا عن قريب ولا عن بعيد، نعيش آمنين في غربتنا ، ونموت غارقين في قلقنا وما يدعوه بالذاكرة الاسترجاعية، التي تكبر كل يوم معنا   ونتوارثها.
هذا الشارع وهذا المبنى بل هؤلاء الذين كانوا أحياء، كانوا منا وكنا منهم. لم يكونوا ولن يكونوا صورا تمر على القارئين والمتفرجين كما أي سطر في كتاب أو مشهد في فيلم. غزة هي الحقيقة الأكبر مما قد حدث ويحدث. هي الكون الذي لم يعرف له بوابة فضاء، وهي الوجهة التي تستعصى على الجبناء.

إننا وإن كنا رحلنا معطوبين، ومفقودين، ربما قد نجونا بأطفالنا أجسادا. إننا ودعنا أنفسنا على أبواب مدينتا بكل مرة لم نصرخ من الألم، في كل مرة لم نبكي من الوجع ، وفي كل مرة لم نعد بعد أن رحلنا.

Gaza the greatest truth

16 may 2021

Our hearts are not melted by Alienation as much as helplessness that is holding us back. The inability to steal all the children from under a sky that did not leave for their childhood any space to live in. The pain of helplessness that prevents us from embracing everyone in Gaza to take their pain away from them, even if it is only and only one pain. The inability that prevents us from being a sane person who is aware of what is happening. We are paralyzed and lost, not only our fathers, mothers and siblings in Gaza. In Gaza, all the lives that we lived and did not live. The words that stutter in our mouths when any one ask how you are, and how is your family?

We are not us at all, and we will not be, neither soon nor far, we live in safety in our exile, and die drowning in our anxiety and what is called a flashback memory, which grows every day with us. This street, this building, and those who were alive, they were part of us and we were part of them. They were not and will not be images that pass to readers and spectators as any line in a book or scene in a movie.

Gaza is the greatest truth that has ever happened and is happening. It is the universe that has a non-known space gate, and it is a destination that cowards don’t know a way to it. If we were left, we are deeply damaged and lost, we may have survived physically with our children. We left ourselves at the gates of our city every time we did not cry out of pain, every time we did not shout out of soreness, and every time we did not return after we left.

By Najlaa Attaallah

Posted in allover | Leave a comment

we have a story

Every one was killed had left a story to be told about. Every one was killed had memories to be shared. Every one had a dream to be achieved. Every one had a life was supposed to be lived. Every One in Gaza lives in a torror and horror that need to be talked about. Minutes he spends trying to calm his children while he him self drown in fear. A mother that wish to get her children back to her womb in order to not let them out to a world that would let them down. كل شخص استشهد ترك قصة لتقال. كل شخص استشهد كان لديه ذكريات يجب مشاركتها ، كان لكل شخص حلم يجب تحقيقه. حياة كان من المفترض أن يعيشها كل واحد في غزة يعيش ما يتخطى الرعب والهلع الذي يجب الحديث عنه. الدقائق التي يقضيها في محاولة تهدئة أطفاله وهو يغرق في خوف. أم ترغب في إعادة أطفالها إلى رحمها حتى لا تسمح لهم بالخروج إلى عالم من شأنه أن يخذلهم.

Posted in allover | Leave a comment

المدينة العصية تركت وحيدة

ما يحدث في غزة يفوق قدرة العقل البشري على التخيل . ما يحدث في غزة تجاوز ما يمكن أن يوصف بانتهاك للإنسانية، أو خرق للقوانين الدولية. تجاوز حد الخوف إذا ماكان الخوف شعورا يشل القدمين، ويجلط القلب. تجاوز حد الصراخ، إنه الصوت الذي لا يمكن سماعه. تجاوز حد الصورة إذا ما كانت الصور قصصا تروي، حد الدمار إذا كان الدمار صاروخا يهد مبنى، تجاوز حد الموت إذا ما كان الموت تجسيد . تجاوز حد الخيال إذا ما كان الخيال فضاء أسود. ما يحدث في غزة فوق ما يحكى بأنه اجتثاث لكل معنى للحياة، قد تكون قيامة أحدثها شيطان ملعون أشعل جهنم ودب فيها مدينة واحدة. مدينة عصية بأن تحرق، فأطلق عليها كل الشياطين تعيث فسادا وتحرق الأحياء والأموات. ما يحدث في غزة تجاوز حد الشيطان نفسه إذا ما الشيطان نارا. حتى غزة تجاوزت أن تكون غزة هذه المرة…..

A defenseless city left behind by the world

13-may 2021

What happens in Gaza transcends the imagination of the human mind. What happens in Gaza transcends any humanity violation or any breach of international convention. It surpasses the limits of fear; a feeling that paralyses the feet and clots the heart. It goes beyond screaming – it is a sound that cannot be heard. What happens in Gaza is not a picture of war to be kept in a photo frame, for it transcends, beyond. What happens in Gaza is the bombings of buildings and the subtle sound when cries turn into a silence of death. What happens in Gaza exceeds death, a black space, that cuts across the human imagination. What happens in Gaza goes beyond all that has been said about the meaning of life and death. It is as if Satan himself ignited a hell into which he threw only one city. A defenseless city left behind by the world. What happens in Gaza… even Gaza has gone beyond being Gaza this time.

Posted in allover | Leave a comment

عقد على تخرجي من الجامعة

عام 2005 , تخرجت من الثانوية العامة بمعدل يؤهلني لدخول أي كلية أرغب، القانون والأدب كان لهما النصيب الأكبر من الرغبة . لأنني لم أكن مقتنعة بدراسة هذه التخصصات في الجامعات الغزية . اتجهت الرغبة للهندسة. السنة الأولى لم تختلف كثيرا عن الدارسة الثانوية . وحاولت ان ابحث عن جديد ولكني لم أجد.

العام الدراسي الثاني والاول في الكلية بدأت الدهشة، حظيت بفرصة لأستطعم جمال اختيار العمارة كتخصص، أصابني الشغف لأكتشف أكثر. وأتذكر كثيرا من تفاصيل هذا العام. واكتملت الدهشة بالسفر خارجا لاختبار الخيال…

السنة الثالثة اختلت هذه الدهشة، واصبحت عبئا كبيرا. الصدمة بين المعلومات النظرية غير التطبيقية. لم أكن مقتنعة كثيرا بكم المعلومات التي تصدر لي دون تجارب حية وقصص تفيض بالحياة. كنت دوما في مرحلة بحث كاملة. كنت من الحظ بما يكفي أن يجمعني القدر بشخص قدير اجابني عن كثير من الأسئلة، وأخذ بيدي لأكمل الخمس سنوات .

اليوم حظيت بفرصة لم أكن حتى لأتخيلها ، فرصة أتتني بعد عقد من التخرج من تخصص العمارة. أعمل مع طاقم لديه من الشغف ما كنت ابحث عنه. المعماري الذي نعمل لحسابه شخص قدير، متواضع وقد صمم مئات من المشاريع . وهو من التواضع ما يجعله عند مخاطبتنا بدأ حديثه ( سيكون من اللطيف منك ان تساعدني في هذه المهمة). اضافة انه دوما ما يثني على ما تقوم به مهما كان صغيرا. يبتسم للحياة ومتفائل مما يجعلك دوما ترغب في العمل معه ولديه.وزملاء لا يتململون من افادتك ومشاركتك كل ما يعرفون لتتعلم ، وتشعر انك جزء من الكل .

خلال خمس سنوات من الدراسة الجامعية، كنت انتظر مرة من محاضر ان يعرض مشروعا قام بتصميمه، ان يفتح جبهة النقاش حول ما كان يجب ان يكون وما كان يجب الا يكون. انتظرت ان يسألنا احد، و يشجعنا ان نبدي أرآنا بانفتاح،ان نسرح في خيالاتنا الى اللاحدود، ان نتعلم ان البناء حياة تؤثر على عقلية قاطنيها، ان المبنى حي بمن فيه وميت اذا ما كان هجر. الفراغات المعمارية ، ليست مجرد خطوط وحوائط، هي مساحات لممارسة أنشطة، إذا ما اختلت اثرت على كيفية هذه الأنشطة.

بعد عشر سنوات اختبرت الشغف والحلم من جديد،إن الإحياء عملية شاقة تطلب مني الكثير من الجهد والتركيز ولا أنكر المقاومة، لكنني كل يوم أشعر بانتصار أكبر من سابقه لأنني أتمكلني من جديد وأشعر أنني. لست أبكي على عشر سنوات مضت بل صار في جعبتي ما يحفزني أن أكمل بحثا ابتدأته عن علاقة البناء بالسلوك الانساني. اليوم أن تلميذة، أعيد اكتشاف لعمارة بعقلية أكثر نضوجا مصحوبه بدعم يخلو من درجة ترصد بنهاية الفصل الدراسي،وانما رسومات ستعيش بها حيوات تمد لسنوات.

التجربة التعليمية التي عشتها في غزة لا شك لها من الجانب ما يستحق الاشاده به، ومن جانب آخر نواحي تحتاج إلى إعادة النظر فيها، لتخريج أجيال تحي بالعلم لتحي به من بعدها.

Posted in allover | Leave a comment

لماذا لا أكتب ؟؟

مضى وقت لا بأس به مذ آخر مرة كتبت فقرة، فكرة أو رأيا عابرا على بياضات الشاشات الالكترونية. مضى وقت على آخر مرة اعتزمت النهوض من ثبات الكلمات والعبث قليلا بما أملك. مضى وقت منذ آخر مرة انتصرت على ضعفي، تخطيت الحواجز وقلت أنا أستطيع. لم أفقد الرغبة أو الإرادة لكن بعض من الخوف استل ما بقي لي. الرهبة من الخطأ أصبحت أكبر من قوة الإيمان. الخبرة في جلد الذات أكثر شراسة من المحاولات التي تبوأ بالفشل.

أعرف يقينا في جوف بئر الجسد الغارق في الحياة يكمن قصص كثيرة، حكايا تريد الخروج والتحرر مني. أعرف من جهة أخرى أن الرغبة لا تصنع حرفة ولا تخط قصة يشكك في بلاغتها وفصاحتها. قبول فكرة الهزيمة أمر ينافي طبيعتي ، الوقت الراهن يلزمني بالاعتراف بهزيمتي.

الكتابة فعل شاق ، يريد من صاحبه الموهبة والقدرة على الصقل، يستلزم بذل مجهود كبير في القراءة، الاطلاع والتجربة. لأنني أعرف عظم هذا الفعل توقفت عن وسم نفسي بالكاتبة، توقفت عن الكتابة. أصبحت فقط أحاول مرارا وتكرار. مصادفة قد تنجح إحدى المحاولات، لكن هذا لا يعني أنها انعكاس لحرفية عالية، هو مجرد حظ ليس أكثر.

أذكر مرة أن صبية جميلة درست رواية لليافعين كتبتها في مطلع العشرين مما مضى من عمري. كنت أسمع مدهوشة، لا أذكر جيدا ما قالت ولكن أذكر أن قلبي كان بين رجلي يرتجف، ووجهي كان أحمرا فهي باختصار كان أجدر القول ( رواية فاشلة)، في ذات اللقاء. قرأت مقتطفات من قصص قصيرة جدا ، وأجزل الحاضرين بحسن إلقائي. ثم بادرت هذه الفاتنة قائلة ( أعتذر، ظننت ان الرواية هي ما تملكين من رصيد. ابتسمت لها بكل حب قائلة – لا عليك ، قد أبدعت فيما ملكت بين يديك.

لم أتضايق أبدا، كلما كبرت كلما أصبحت أكثر تصالحا مع فكرة الفشل. يزيد على هذا أنني لم أعد أقاتل لأكون كاتبة. قبل عشر أعوام لم يكن يمضي يوم لا أكتب فيه أو أقرأ. كذبة، أو وهم دفنت رأسي فيه لأعوام. اليوم لم أعد أهتم بما يمكن أن أكونه بقدر اهتمامي أن أبقى إنسانة.

إنسانة لا تفقد روحها، وعيها وصحتها العقلية. أأمل ألا أضيع في العالم الافتراضي، وأجتهد أن أحفظ ماء وجهي في أي كلمة قد أتركها خلفي. أسعى أن أعيش ما بقي من الحياة في سلام لا يؤرقه أصوات الهاربين من الظلم. أدعو أن يثبت قلبي كلما سمعت قصة مهاجر، لاجئة وكل الناجين من اللإنسانين.

أصلي ألا أفقد الجلد وأنا أنتظر العبور إلى بيتي مرة أخرى، أتضرع أن يحدثني أطفالي باللغة التي أحبها، أتجهد أن أجدني حية القلب بعد عبور ما بقي لي من سنين، وأبكي أن أكتب مرة أخرى قصة يقال فيها، لله در العابرين في الحياة أحياء القلوب.

Posted in allover | Leave a comment

لو أننا في غزة

غرة تحتفل اليوم بعيد يشوبه قلق كبير من تزايد أعداد المحجورين، لكن هذا لم يمنع مواطنيها من الذهاب إلى الأسواق وخبز الكعك والتغريد تهليلا للعيد. أهل غزة المطحونين بالقهر والعوز للانطلاق ينتشون بطريقتهم، يجدون منفسا لكل أوجاعهم ويحررون مخاوفهم مع تكبيرات المساجد ودعوات الأمهات.

يعلمون أولا يعلمون لكنهم يتجاهلون الواقع، يعيشون اليوم لأن الغد قد يكون أكثر ألما من اليوم، أي وجع أكبر فجعا من حجر اثني مليوني إنسان في مساحة تتسع لثلثهم. الحياة في غزة مضحكة مبكية، كنا فيها نلعنها ونسب حظوظنا في مدينة تدفن قلوبنا في أقفاص بلا أقفال. هاجرناها ونبكي الشوق لأنفاس أهالينا ورائحة الدفء الذي كان يصد عنا ذات القهر المعجونين به.

أجلس في أقصى الغرب بأكثر الدول برودة، أندب الشوق لاشتمام رائحة السمسم المحمص في أفران جيراننا وهو يتحمر مع حبات الكعك. أحاول اختلاق حالة مشابهة والتكرار على مسامعي أطفالي إنه العيد. أردد معهم أغانيه ونخبـز معا الأقراص المعجونة بالتمر، نكبر ونهاتف الأحباب.

ينتهي العيد بهذا، ونبقى في منازلنا محجورين غربة لا خوفا من مرض يزحف في اتجاه غزة، نفكر بها. ونقول لو أننا في غزة هل كنا سنكون مواطنين صالحين ونلتزم بيوتنا وقاية، أو سنركب الركب وننزل نصلي، نكبر ، نهلل بقدوم العيد؟

لا أملك الجزم بقوامة فكري، لكننا لو في غزة سأشتري لأطفالي أجمل الثياب وأزينهم بالحب ليحتضنون جداتهم وأجدادهم طمعا في العيدية، كنا سنملأ مضيفة الشوكولاتة بأجود ما يمكن لنا، نمنع أطفالنا عنه حينا ونسمح لهم حينا آخر. لو كنا في غزة كنا سنجد فرحا بين كل هذا الخراب الذي يهتك بأهلها ونبتسم. سنستقبل الزوار يوما ويوما آخر. لو أننا في غزة سنستشعر الحياة ولو لمرة، فالعيد من يحي المدينة من سكرة الموت الغارقة فيه.

Posted in allover | Leave a comment

ما يشبه القصة 21 – العام الجديد

مضى وقت لا بأس به منذ آخر مرة أسقطت أفكاري على ورق. ليس الأمر أنني لا أملك الكلمات أو الفكرة، لكنه أمر أكثر تعقيدا من ذكره في مخطوطة. مذكرة هاتفي تحتوي عشرات من المخطوطات الناقصة،  تحتاج الجرأة الكافية لاكمالها أو ربما الأمل. تجتاحني باختلاف  الأيام مشاعر مختلطة ومختلفة تتربع على رأسها العجز، الغموض والرضا. لا أملك أدنى فكرة كيف لهذه المشاعر أن تجتمع معا، كذلك لا أملك تفسيرا واضحا لها.

أعرف أنه بحلول الغد سيكون انطوى عام على رحيلي عن تلك المدينة الميتة. عام حمل معه إعادة هيكلة واندماج بمجتمع يختلف تماما عما عاصرته وعرفته  عنه. استطعت أن أصمم خارطة مبهمة ، وأصب قواعدا أساسية وبكل خطوة كنت أدفع ثمنا يتجسد ببعدي عنهم.

لم نجتمع بعد، لأن مدينتي الملعونة من قبل آلاف الأعوام تقبض عليهم بشدة. كـأن سجانها يخشي اعتاقهم فيتنصلون من كل ما يربطهم بها. لا تدري أن تعويذتها تصيبنا حتى الممات ولا فكاك منها. هي جغرافيا بعد أيام، لكنها كاللص يتربص كل حين ليغزو أحلامنا ويدفعنا إلى الحنين لها. إنها اللص الذي سرق أعوامنا واعتق متاعنا برهن استحضارها كل حين.

مازلت أنتظر صغاري، أجهل تماما أي حياة تنتظرهم حيث الليل يسود والنهار غائب عن الحضور. إني أصغر من التنبأ بها ولكن أعرف يقينا أنهم سيبربطون أصوات الألعاب النارية باحتفالات رأس السنة، عوضا عن احصاء عدد الموتي والجرحي عبر الإذاعات مع كل صوت فرقعة. أعلم يقينا أنهم سيتمكنون من الرقص ماشاء لهم، بل أعرف أن الصغيرة ألين ستدرك أن اللون الزهري ليس منوطا بالاناث حصرا.

العام المنصرم كان الأكثر غرابة، وجعا وربما أملا.  كان لازما وضع الكثير من الأوراق جانبا، والايمان بأن السنوات التي قضيتها  لتحصيلها هي لي وليس لأي شيئ أخر. الصفر رقما معلوما مقابل النقطة التي يجب عليك الانطلاق منها، كأنك لم تكن ومنذ عهدك بهذه المدينة الجديدة عليك أن تبذل وقتا، مجهودا لاعادة التحصيل.

مازلت أنتظر، ولا أبني قصورا من التوقعات العالية. أشعر بالرضا الذي يمكن أن يعيني للنجاة عاما آخرا، ولا أملك أي شيء آخر لأراهن عليه. المستقبل رهن بقرارتنا، لكنتي على يقين أن القرارت  تحمل مجهولا لا يمكن لأعتى عرافة التنبؤ به.

Posted in series of Confessions | Leave a comment

ما يشبه القصة 20 – وثيقة سفر

ليس أكثر من دفتر صغير. يقلب حياتنا ويجعل بشرا بكينونة مختلفة. ربما كونك امرأة، لاجئة، مسلمة محجبة، فلسطينية من غزة يصنفني من ضمن أكثر الأشخاص ضعفا. لا أعلم من يعطينا هذه التصنيفات، لكنني لا أنكر أنها تعكس شيئا منها. كما أنه لا يمكنني انكار أن وثيقة سفر أيضا يمكن ان تغير تعاطيك مع الحياة.

هل أستطيع وصف تنقلي بحرية دونالحاجة إلى إصدار عدة تصاريح للتحرك من السجن الذي كنت أعيش فيه. الحقيقة لا، انني خارج البوتقة بعد، خارج حدود التصديق. لكنني فعلتها، أولا كأم وثانية كامرأة حرة تدرك أن ما كانت فيه ما هو الا زجاجة يتناحر عليها ثلة من السياسيين الذين لا يملكون حتى أجندة واحدة للتفريج عن أناس يتساقطون الواحد تلو الآخر.

انني لم ارحل طمعا في هذه الوثيقة، بالنهاية هي علامة تؤكد انني أحمل صفة “لاجىء”. لكنني لا يمكنني حصر المشهد بالكلمات، عندما ترى ان هذا الكتيب الصغير يفوقك قدرة على تخيل ما يمكن حدوثه. هذه العادية التي يمر بها كل العابرين من أمامي، لم ولن تكون لي كما لهم، ان كل خطوة أخطوها صوب مدينة لم أعرفها الا بخريطة وريقة في المدرسة الإعدادية، وخريطة رقمية عبر جوجل للخرائط. أنني أستطيع عبور المحيطات، اليابسة ـ الطيران في الهواء دون عشرات الأوراق التي تثبت انني من ذات مدينة في هذه الكرة الأرضية..

أستطيع أن أمر بسلاسة. كل فلسطيني وأخص من يعيش في غزة يعي تماما قيمة السفر من المنزل للمطار دون المرور بحواجز ونقاط يخلع فيها كل ما عليه.

مازلت أنتظر انضمام أطفالي، ومازلت أمارس الحياة وحيدة. وهذه التجربة الأكثر فرادة من وصفي تنتظر أن تجمعني معهم قريبا. تنتظر أن يتحرورا من سجن مدينتنا وننطلق نحمل حزن الوطن الذي نبحث عنه في جوفنا، نحاول العيش، نحاول أن نكون أشخاصا كغيرينا نؤمن أن هذا يحدث. نؤمن اننا نحمل أوراقا تعرفنا حتى لو كان يتصدرها كلمة لاجئ.

Posted in series of Confessions | Leave a comment